فصل: سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة عشرين وثلاثمئة:

لما استفحل أمر مرداويج الدَّيلمي، لاطفه الخليفة، وبعث إليه بالعهد واللواء والخلع، وعقد له على أذربيجان وأرمينيّة وأرّان وقمّ ونهاوند، وسجستان.
وفيها نهب الجند دار الوزير فهرب، وسخّم الهاشميون وجوههم وصاحوا: الجوع الجوع! للغلاء، لأن القرمطي ومؤنساً منعوا الجلب، وتسلّل الجند إلى مؤنس، وتملّك الموصل، ثم تجهزوا قبل في جمع عظيم، فأمر المقتدر هرون بن غريب أن يلتقي بهم، فامتنع. ثم قالت الأمراء للمقتدر: انفق في العساكر، فعزم على التوجُّه إلى واسط في الماء، ليستخدم منها ومن البصرة والأهواز: فقال له محمد بن ياقوت: اتّق الله، ولا تسلّم بغداد بلا حرب، فلما أصبحوا، ركب في موكبه وعليه البردة وبيده القضيب، والقرّاء والمصاحف حوله، والوزير خلفه، فشق بغداد إلى الشماسية، وأقبل مؤنس في جيشه، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تلّ، ثم جاء إليه ابن ياقوت، وأبو العلاء بن حمدان، فقالا: تقدم، فأبى، فألحّوا عليه، فتقدم وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف، في طائفة قليلة، فانكشف أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت، وهرون بن غريب بلاءً حسناً. وكان معظم جيش مؤنس الخادم: البربر، فجاء علي بن يلبق فترجّل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبّل الأرض، فعطف جماعة من البربر إلى نحو المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة فسقط إلى الأرض، وقيل رماه بحربة وحزّ رأسه بالسيف، ورفع على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة، حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة، وطمر وعفِّي أثره، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك لثلاث بقين من شوال. وكانت خلافته خمساً وعشرين سنة، إلا بضعة عشر يوماً، وكان مسرفاً مبذّراً ناقص الرأي، محق الذخائر، حتى إنه أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة التي وزنها ثلاثة مثاقيل، ويقال: إنه ضيّع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكان في داره عشرة آلاف خصيّ من الصقالبة، وأهلك نفسه بسوء تدبيره فإنا لله وإنا إليه راجعون وخلّف عدة أولاد، منهم: الراضي بالله محمد، والمتقي لله إبراهيم، والأمير إسحاق ووالد القادر بالله والمطيع لله. وذكر طبيبه ثابت بن سنان في تاريخه: أن المقتدر أتلف نيّفا وسبعين ألف ألف دينار.
وأما مؤنس، فإنه ترك بالشماسيّة فأحضر إليه رأس المقتدر، فندم وبكى وقال: قتلتموه، والله لنقتلنّ كلنا، فأظهروا أن قتله عن غير قصد، ثم بايعوا القاهر بالله، الذي كان قد بايعوه في سنة سبع عشرة، فصادر آل المقتدر، وعذّب أمه وهي مريضة، ثم ماتت وهي معلقة بحبل، وبالغ في الظلم، فمقتته القلوب، وكان ابن مقلة، قد نقل إلى الأهواز، فاستحضره واستوزره.
وفيها توفي الحافظ محدث الشام، أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف ابن موسى بن جوصا، سمع كثير بن عبيد وطبقته، وجمع وصنَّف، وتبحرّ في الحديث.
قال أبو علي النيسابوري: كان ركناً من أركان الحديث.
قال محمد بن إبراهيم الكرجي: جان بن جوصا بالشام كابن عقدة بالكوفة.
وقال غيره: كان ابن جوصا كثير الأموال، يركب البغلة، توفي في جمادى الأولى.
قال الدَّارقطني: تفرد بأحاديث، ولم يكن بالقويّ.
وفيها أحمد بن القاسم بن نصر، أبو بكر، أخو أبي اللّيث الفرائضي، ببغداد في ذي الحجة، وله ثمان وتسعون سنة. روى عن لوين وإسحاق بن أبي إسرائيل وعدّة.
وفيها المقتدر بالله، أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد، بن الموفق طلحة، بن المتوكل على الله بن المعتصم بالله العباسي. في أيامه اضمحلّت دولة الخلافة العباسية وصغرت، وسمع أمير الأندلس، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين، فلقّب نفسه: أمير المؤمنين الناصر لدين الله عبد الرحمن. وبقي في الخلافة إلى سنة خمسين وثلاثمئة. ولا شك أن حرمته ودولته، كانت أميز من دولة المقتدر ومن بعده، وقد خلع المقتدر مرتين وأعيد، وكان ربعة جميل الصورة، أبيض مشرباً حمرة، أسرع الشيب إلى عارضيه، وعاش ثمانياً وثلاثين سنة، وكان جيّد العقل والرأي، لكنه كان مؤثراً للعب والشهوات، غير ناهضٍ بأعباء الخلافة، كانت أمه وخالته والقهرمانة، يدخلن في الأمور الكبار، والولايات والحلّ والعقد.
قال الوزير علي بن عيسى: ما هو إلا أن يترك هذا الرجل النبيذ خمسة أيام، وكان ربما يكون في إصابة الرأي، كأبيه وكالمأمون.
وفيها أبو العباس عبد الله بن عتّاب بن الزفتي، محدّث دمشق، وله ستّ وتسعون سنة. روى عن هشام بن عمّار وعيسى بن حماد زغبة، وخلق.
قال أبو أحمد الحاكم: رأيناه ثبتاً.
وفيها الحافظ الثقة أبو القاسم بن عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، ابن أخي أبي زرعة الرازي، روى عن يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن منصور الرَّمادي، وطبقتهما.
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري صاحب البخاري، وقد سمع من عليّ بن خشرم لما رابط بفربر، وكان ثقة ورعا، توفي في شوال، وله تسع وثمانون سنة.
وفيها قاضي القضاة أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل الأزري مولاهم البغدادي، وكان من خيار القضاة حلما وعقلاً، وجلالة وذكاءً وصيانة، ولد بالبصرة سنة ثلاث وأربعين، وروى عن زيد بن أخرم، والحسن بن أبي الربيع، وجماعة حمل عنهم في صغره، ولي قضاء مدينة المنصور في خلافة المعتضد بالله، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي للمقتدر بالله، قم قلده قضاء القضاة، سنة سبع عشرة وثلاثمئة، وكان له مجلس في غاية الحسن، كان يقعد للإملاء، والبغويّ عن يمينه، وابن صاعد عن يساره، وابن زياد النيسابوري بين يديه، وقد حفظ من جدّه حديثاً، وهو ابن أربع سنين، توفي في رمضان.
وفيها ميمون بن عمر الأفريقي المالكي أبو عمر الفقيه، قاضي القيروان، وقاضي صقليّة، عاش مئة سنة أو أكثر، وكان آخر من روى بالمغرب عن سحنون، وعن أبي مصعب الزُّهري، وزمن وانهزم.
وفيها أبو علي بن خيران الشافعي، الحسين بن صالح، شيخ الشافعية ببغداد بعد ابن سريج، عرض عليه القضاة فامتنع، وتفقه به جماعة.
وفيها أبو عمر الدمشقي الزاهد، من كبار مشايخ الصوفية وساداتهم، وهذا القول مروي عنه: كما فرض الله على الأنبياء إظهار المعجزات، فرض على الأولياء كتمان الكرامات، لئلا يفتتنوا بها.

.سنة إحدى وعشرين وثلاثمئة:

فيها بدت من القاهر شهامة وإقدام، فتحيّل حتى قبض على مؤنس الخادم ويلبق، وابنه علي بن يلبق، ثم أمر بذبحهم، وطيف برؤوسهم ببغداد، ثم أمر بذبح يمن وابن زيرك، فاستقامت بغداد، وأطلقت أرزاق الجند، وعظمت هيبة القاهر في النفوس، ثم أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنّين، ونفى المخانيث، وكسر آلات الطرب، إلا أنه كان لا يكاد يصحو من السكر، وسماع القينات.
وفيها توفي أبو حامد، ويقال أبو تراب الأعشمي، أحمد بن حمدون النيسابوري الحافظ، وكان قد جمع حديث الأعمش كله وحفظه فلقب بذلك سمع محمد بن رافع، وأبا سعيد الأشجّ وطبقتهما. وكان صاحب بسط ودعابة.
وفيها أحمد بن عبد الوارث بن جرير، أبو بكر الأسواني العسّال، في جمادي الآخرة، وهو آخر من حدث عن محمد بن رمح، وثقّه ابن يونس.
وفيها أبو جعفر الطَّحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري المصري، شيخ الحنفية، سمع هارون بن سعيد الأيلي، وطائفة من أصحاب ابن عيينة وابن وهب، وصنف التصانيف، وبرع في الفقه والحديث، توفي في ذي القعدة، وله اثنان وثمانون سنة. قال ابن يونس: كان ثقة ثبتاً لم يخلف مثله. وقال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر، أخذ الفقه عن أبي جعفر بن أبي عمران، وأبي حازم القاضي.
وفيها أبو علي أحمد بن محمد بن علي بن زين الدين الباشاني بهراه ثقة روى عن علي بن بن خشرم وسفيان بن وكيع وطائفة.
وفيها الأمير تكين الخاصة، ولي دمشق ثم مصر وبها مات، ونقل إلى بيت المقدس.
وفيها أبو يزيد حاتم بن محبوب الشامي، بهراة، حج وسمع محمد بن زنبور، وسلمة بن شبيب، وكان ثقة.
وفيها الحسن بن محمد البصري، أبو علي بن أبي هريرة،
بأصبهان، روى عن إسماعيل بن يزيد القطّان، وأحمد بن الفرات، وهو من كبار شيوخ ابن منده.
وفيها أبو هاشم الجبّائي، شيخ المعتزلة وابن شيخهم، عبد السلام ابن محمد بن عبد الوهاب البصري، توفي في شعبان ببغداد.
وفيها ابن دريد، وهو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، بن عتاهية الأزدي البصري اللغوي العلامة، صاحب، صاحب التصانيف، أخذ عن الرَّياشي، وأبي حاتم السِّجستاني، وابن أخي الأصمعي، وعاش ثمانياً وتسعين سنة.
قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما رأيت أحفظ من ابن دريد، ما رأيته قرئ عليه ديوان، إلاّ وهو يسابق في قراءته. وقال الدَّارقطني: تكلموا فيه.
وفيها مكحول البيروتي، واسمه أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ، سمع محمد بن هاشم البعلبكيّ، وأبا عمير بن النحاس، وطبقتهما بمصر والشام والجزيرة.
وفيها محمد بن هارون، أبو حامد الحضرمي، محدّث بغداد في وقته، وله نيّف وتسعون سنة. روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل، وأبي همام السَّكوني.
وفيها مؤنس الخادم، الملقب المظفَّر، توفي عن نحو تسعين سنة. وكان أميراً معظماً شجاعاً منصوراً، لم يبلغ من الخدّام منزلته، إلا كافور صاحب مصر، وقد مرّت أخبار مؤنس ومحاربته للمقتدر.

.سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة:

فيها انفرد عن مرداويج الدَّيلمي، أحد قواده، الأمير علي بن بويه، والتقى هو ومحمد بن ياقوت أمير فارس، فهزم محمداً واستولى على مملكة فارس، وهذا أول ظهور بني بويه، وكان بويه من أوساط الناس يصيد السمك، فملَّك أولاده الدنيا.
وفيها قتل القاهر بالله الأمير أبا السَّرايا، نصر بن حمدان، والرئيس إسحاق بن إسماعيل النَّوبختي، وقتل قبلهما ابن أخيه أبا أحمد بن المكتفي بلا ذنب، وتفرعن وطغى، وأخذ أبو علي بن مقلة وهو مختفى، يراسل الخواصّ من المماليك، ويجسّرهم على القاهر، ويوحشّهم منه، فما برح حتى اجتمعوا على الفتك به، فركبوا إلى الدار، والقاهر سكران نائم، وقد طلعت الشمس، فهرب الوزير- في إزار- وسلامة الحاجب، فوثبوا على القاهر، فقام مرعوباً وهرب، فتبعوه إلى السَّطح، وبيده سيف، فقالوا: إنزل، فأبى، فقالوا: نحن عبيدك، فلم تستوحش منا، فلم ينزل، ففوَّق واحدٌ منهم سهماً وقال: إنزل وإلا قتلتك، فنزل فقبضوا عليه في جمادى الآخرة، وأخرجوا محمد بن المقتدر بالله ولقبوه الراضي بالله وكحل القاهر، ووزّر ابن مقلة.
قال الصولي: كان القاهر أهوج سفّاكاً للدماء، قبيح السيرة، كثير الاستحالة، مدمن الخمر، كان له حربة يحملها، فلا يضعها حتى يقتل إنساناً، ولولا جودة حاجبه سلامة، لأهلك الحرث والنَّسل.
وفيها هلك مرداويج الدَّيلمي بأصبهان، وكان قد عظم سلطانه وتحدثوا أنه يريد قصد بغداد، وكان له ميل إلى المجوس، وأساء إلى أصحابه، فتواطأوا على قتله في الحمام، وبعث الراضي بالعهد إلى علي بن بويه، على البلاد التي استولى عليها، والتزم بحمل ثمانية آلاف ألف درهم في العالم.
وفيها اشتهر محمد بن علي الشَّلمغاني ببغداد، وشاع أنه يدّعي الآلهية، وأنه يحيي الموتى، وكثر أتباعه، فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله، فسمع كلامه، وأنكر الآلهية، وقال: إن لم تنزل العقوبة بعد ثلاثة أيام وأكثره تسعة أيام، وإلاّ فدمي حلال. وكان هذا الشقيّ قد أظهر الرفض، ثم قال بالتناسخ والحلول، ومخرق على الجهال، وضلّ به طائفة، وأظهر شأنه الحسين بن روح زعيم الرافضة، فلما طلب، هرب إلى الموصل، وغاب سنين ثم عاد، ودعى إلى آلهيِّته، فتبعه فيما قيل، الذي كان وزر للمقتدر، الحسين بن الوزير القاسم بن الوليد بن الوزير عبيد الله ابن وهب، وابنا بسطام، وإبراهيم بن أبي عون، فلما قبض الآن عليه ابن مقلة، كبس بيته، فوجد فيه رقاعاً وكتباً مما قيل عنه، ويخاطبون في الرِّقاع مما لا يخاطب به البشر، فأحضر وأصرَّ على الإنكار، فصفعه ابن عبدوس، وأما ابن أبي عون فقال، آلهي وسيدي ورازقي. فقال الراضي للشَّلمغاني: أنت زعمت أنك لا تدّعي الربوبية، فما هذا؟ فقال: وما عليّ من قول ابن أبي عون، ثم أحضروا غير مرّة، وجرت لهم فصول، وأحضرت الفقهاء والقضاة، ثم أفتى الأئمة بإباحة دمه، فأحرق في ذي القعدة، وضربت رقبة ابن أبي عون ثم أحرق، وهو فاضل مشهور صاحب تصانيف أدبية، وكان من رؤساء الكتَّاب- أعني ابن أبي عون- وشلمغان من أعمال واسط.
وقتل الحسين بن القاسم الوزير، وكان في نفس الراضي منه.
وفيها جعل الراضي أبو بكر محمد بن ياقوت على الحجبة ورئاسة الجيش وبلغ هارون بن غريب الخال، وهو على الدِّينور، فكاتب أمراء بغداد وقال: أنا أحق برئاسة الجيوش، فواطأوه، فعسكر وسار حتى أطل على بغداد، فشخص لحربه محمد بن ياقوت، والتقيا فتقنطر بهارون فرسه وصرع، فبادر مملوك لمحمد بن ياقوت، فقتله وانهزم جمعه، ونهبوا وتمزقوا، ولم يحجّ أحد من بغداد في سنة سبع وعشرين، خوفاً من القرامطة.
وفيها توفي أبو عمر أحمد بن خالد بن الجبّاب القرطبي حافظ الأندلس، وكان أبوه يبيع الجباب. روى عن بقيّ بن مخلد وطائفة وارتحل إلى اليمن فأخذ عن إسحاق الدَّبري وغيره، وعاش بضعاً وسبعين سنة، وصنّف التصانيف.
قال القاضي عياض: كان إماماً في وقته في مذهب مالك، وفي الحديث لا ينازع.
وفيها قاضي مصر، أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، حدّث بكتب أبيه كلها من حفظه بمصر، ولم يكن معه كتاب، وهي أحد وعشرون مصنفاً، وولي قضاء مصر شهرين ونصف.
وفيها القدوة العارف، خير النسَّاج أبو الحسن البغدادي الزاهد، وكانت له حلقة يتكلم فيها، وعمر دهراً، فقيل إنه لقي سريّا السَّقطي، وله أحوال وكرامات.
وفيها المهديُّ عبيد الله، والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية، افترى أنه من ولد جعفر الصادق، وكان بسلمية، فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب، وحاصل الأمر أنه استولى على مملكة المغرب، وامتدت دولته بضعاً وعشرين سنة، ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها، وكان يظهر الرَّفض ويبطن الزندقة.
قال أبو الحسن القابسي صاحبي الملخص: الذي قتله عبيد الله وبنوه بعده، أربعة آلاف رجل في دار النَّحر في العذاب، ما بين عالم وعابد، ليرّدهم عن الترضّي على الصحابة، فاختاروا الموت، وفي ذلك يقول بعضهم من قصيدة:
وأحل دار النحر في أغلاله ** من كان ذا تقوى وذا صلوات

وفيها الدَّيبلي، أبو جعفر محمد بن إبراهيم، محدّث مكة، في شهر جمادى الأولى، روى عن محمد بن زنبور وطائفة.
والعقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو الحافظ، صاحب الجرح والتعديل، عداده في أهل الحجاز. روى عن إسحاق الدَّبري، وأبي إسماعيل التَّرمذي وخلق. توفي بمكة في ربيع الأول.
والكتَّاني الزاهد، أبو بكر محمد بن علي بن جعفر، شيخ الصوفية المجاور بمكة، أخذ عن أبي سعيد الخزّار وغيره، وهو مشهور.
والرًّوذباري الزاهد، أبو علي البغدادي، نزيل مصر وشيخها في زمانه، صحب الجنيد وجماعة، وكان إماماً مفتياً، ورد عنه أنه قال: أستاذي في التصوف الجنيد. وفي الحديث، إبراهيم الحربي، وفي الفقه، ابن سريج، وفي الأدب ثعلب.

.سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة:

فيها تمكّن الراضي بالله بحيث أنه قلّد ولديه وهما صبيان، إمرة المشرق والمغرب.
وفيها محنة ابن شنبود، كان يقرأ في المحراب بالشواذّ، فطلبه الوزير ابن مقلة، أحضر القاضي والقراء وفيهم ابن مجاهد. فناظروه، فأغلظ للحاضرين في الخطاب، ونسبهم إلى الجهل، فأمر الوزير بضربه لكي يرجع، فضرب سبع درر، وهو يدعو على الوزير، فتوّبوه غصباً، وكتبوا عليه محضراً، وكان مما أنكر عليه قراءته: فامضوا إلى ذكر الله وذروا البيع. وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحة غصباً وهذا الأنموذج مما روي ولم يتواتر.
وفيها هاشت الجند وطلبوا أرزاقهم، وأغلظوا لمحمد بن ياقوت، وأخرجوا المحبوسين، ووقع القتال والجد ونهبت الأسواق، وبقي البلاء أياماً، ثم أرضاهم ابن ياقوت، وبعد أيام قبض الراضي بالله، على ابن ياقوت وأخيه المظفّر، وعظم شأن الوزير ابن مقلة، وتفرد بالأمور، ثم هاجت عليه الجند، فأرضاهم بالمال.
وفيها استولت بنو عبيد الرافضة، على مدينة جنوه بالسيف.
وفيها فتنة البربهاري أبو محمد، شيخ الحنابلة، فنودي أن لا يجتمع اثنان من أصحابه، وحبس منهم جماعة، واختفى هو.
وفيها وثب ناصر الدّولة، الحسن بن عبد الله بن حمدان أمير الموصل، على عمه سعيد بن حمدان، فقتله لكونه أراد أن يأخذ منه الموصل، فسار لذلك ابن مقلة في الجيش، فلما قرب من الموصل، نزح عنها ناصر الدولة، ودخلها ابن مقلة، فجمع منها نحو أربعمئة ألف دينار، ثم أسرع إلى بغداد، لتشويش الحال، ثم هزم ناصر الدولة جيش الخليفة، ودخل الموصل.
وفيها أخذ القرمطي أبو طاهر، لعنه الله، الركب العراقي، وانهزم الأمير لؤلؤ، وبه ضربات، وقتل خلق من الوفد، وسبيت الحريم، وهلك محمد بن ياقوت في الحبس.
وفيها جمع محمد بن رائق أمير واسط، وحشد وتمكن وأضمر الخروج.
وفيها توفي الحافظ أبو بشر، أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب الكندي المصعبي المروزي، روى عن محمود بن آدم وطائفة، وهو أحد الوضاعين الكذابين، مع كونه كان محدّثاً إماماً في السُّنّة، والرد على المبتدعة.
وفيها أبو طالب الحافظ، أحمد بن نصر البغدادي روى عن عبّاس الدُّوري وطبقته، ورحل إلى أصحاب عبد الرزّاق، وكان الدّراقطني يقول: هو أستاذي.
وفيها نفطويه النحوي، أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفه العتكي الواسطي، صاحب التصانيف، روى عن شعيب بن أيوب الصَّريفني وطبقته، وعاش ثمانين سنة، وكان كثير العلم، واسع الرواية، صاحب فنون.
وفيها أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدّي الجرجانب الحافظ، الجوّال الفقيه الإستراباذي، سمع علي بن حرب، وعمر بن شبّة وطبقتهما.
قال الحاكم: كان من أئمة المسلمين، سمعت أبا الوليد الفقيه يقول: ولم يكن في عصرنا من الفقهاء، أحفظ للفقهيات وأقاويل الصحابة بخراسان، من أبي نعيم الجرجاني، ولا بالعراق، من أبي بكر بن زياد.
وقال أبو علي النَّيسابوري: ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة، مثل أبي نعيم، كان يحفظ الموقوفات والمراسيل، كما نحفظ نحن المسانيد.
قلت: عاش إحدى وثمانين سنة رحمه الله.
وفيها قاضي الكوفة، أبو الحسن علي بن محمد بن هارون الحميري الكوفي الفقيه، روى عن أبي كريب والأشجّ، وكان ثقة يحفظ عامة حديثه.
وفيها أبو عبيد المحاملي، القاسم بن إسماعيل، أخو القاضي الحسين، سمع أبا حفص الفلاس وطبقته.
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة الدّمشقي العطار، وله ست وتسعون سنة. روى عن أبي هشام الرفاعي وطبقته.

.سنة أربع وعشرين وثلاثمئة:

فيها ثارت الغلمان الحجرية، وتحلفوا واتفقوا، ثم قبضوا على الوزير ابن مقلة، واحرقوا داره، ثم سلّم إلى الوزير عبد الرحمن بن عيسى، فضربه وأخذ خطّه بألف دينار، وجرت له عجائب من الضرب والتعليق، ثم عزل عبد الرحمن، ووزر أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي.
وكان ياقوت والد محمد والمظفر، بعسكر مكرم يحارب عليّ بن بويه لعصيانه، فتمّت له أمور طويلة، ثم قتل وقد شاخ، وتغلب ابن رائق وابن بويه على الممالك، وقلَّت الأموال على الكرخي، فعزل بسليمان بن الحسن، فدعت الراضي بالله الضرورة، إلى أن كاتب محمد بن رائق ليقدم، فقدم في جيشه إلى بغداد، وبطل حينئذ أمر الوزارة والدواوين، واستولى ابن رائق على الأمور، وتحكّم في الأموال، وضعف أمر الخلافة، وبقي الراضي معه صورة.
وفيها توفي أحمد بن بقيّ بن مخلد، أو عمر الأندلسي، قاضي الجماعة في أيام الناصر لدين الله، ولي عشرة أعوام، وروى الكتب عن أبيه.
وفيها أبو الحسن جحظة النديم، وهو أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى ابن خالد بن برمك البرمكي الأديب الأخباري، صاحب الغناء والألحان والنوادر.
وفيها ابن مجاهد، مقرئ العراق، أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، روى عن سعدان بن نصر، والزيادي وخلق. وقرأ على قنبل، وأبي الزَّعراء وجماعة. وكان ثقة حجة بصيراً بالقراءات وعللها ورجالها عديم النظير. توفي في شعبان عن ثمانين سنة.
وفيها ابن المغلِّس الداودي وهو العلامة أبو الحسن عبد الله بن أحمد ابن محمد بن المغلِّس البغدادي الفقيه، أحد علماء الظّاهر، له مصنفات كثيرة، وخرّج له عدّة أصحاب، تفقه على محمد بن داود الظاهري.
وفيها ابن زياد النيسابوري، أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل الفقيه الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف والرِّحلة الواسعة، سمع محمد بن يحيى الذُّهلي، ويونس بن عبد الأعلى، وطبقتهما بمصر والشام والعراق وخراسان.
قال الدارقطني: ما رأيت أحفظ منه.
وقال الحاكم: كان إمام عصره من الشافعية بالعراق، ومن أحفظ الناس للفقيهات، واختلاف الصحابة.
وقال يوسف القواس: سمعت أبا بكر بن زياد يقول: نعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل، ويتقوّت بلداً، ويصليّ الغداة بطهارة العشاء، ثم قال: أنا هو.
وفيها قاضي حمص، أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الكندي روى عن محمد بن عوف الحافظ، وعمران بن بكار وطائفة، وجمع التاريخ.
وفيها أبو الحسن الأشعري، علي بن إسماعيل بن أبي بشر، المتكلم البصري، صاحب المصنفات، وله بضع وستون سنة، أخذ الحديث عن زكريا السَّاجي، وعلم الكلام الجدل والنَّظر، عن أبي علي الجبائي، ثم ردّ على المعتزلة ذكر ابن حزم: أن للأشعري خمسة وخمسين تصنيفاً، وأنه توفي في هذا العام.
وقال غيره: توفي سنة ثلاثين، وقيل بعد الثلاثين، وكان قانعاً متعففاً.
وفيها علي بن عبد الله بن مبشر، أبو الحسن الواسطي المحدث، سمع عبد الحميد بن بيان، وأحمد بن سنان القطَّان، وجماعة.